القائمة الرئيسية

الصفحات

اخر الاخبار

(القائد الفرنسي نابليون بونابرت) شعرة بين العبقرية والجبروت



القائد الفرنسي نابليون بونابرت

لخص الكاتب الفيكونت دوشاتوبريان تاريخ القائد الفرنسي نابليون بونابرت في جملة واحدة وهي 


أحب عبقرية هذا الرجل وأكره جبروته


فقد انقسمت الآراء حوله بين مؤيد يرى أن حملاته العسكرية، تستحق أن تتحول لمادة دراسية تُدرس للطلاب، وهناك من يمتعض من استبداده وطغيانه، لا سيما بعد أن دمر جيشه بسبب مغامراته الحربية، أما عن الرأي الثالث الذي يمثل طائفة المثقفين ورُعاة الحضارة، فهم يقيموه بناءً على مدى درايته بالأسس الإدارية والقانونية، فالقانون الذي يحكم أوروبا حتى اليوم، متأثر بالقانون المدني الفرنسي أو كما يطلق عليه البعض (قانون نابليون).


كل تلك الآراء المتضاربة توقد جُذوة الفضول بداخلك، نحو النهل من الحقائق التاريخية حول هذه الشخصية التي كاد البعض أن يُوصمها بالفصام، وهذا ما سأحاول الكشف عنه معكم بالمقال.


نابليون بونابرت وحياته العسكرية


من هو نابليون بونابرت؟ هل كان قائد مُحنك لديه البصيرة الاستراتيجية كالصقور؟ أم رجل دموي ميسوجيني مهووس بالدم ومعزوفة قرع طبول الحرب كالغيلان؟ فبعد أكثر من مئتي عام على وفاته ومازال المؤرخين يبحثون ويُهيمون بين كتب ومخطوطات المشرق والمغرب، باحثين عن ماهية هذا النابليوني الغامض ورقعته الرمادية التي تُدار حولها كل الرِيبات، فهل هو الجندي المحبوب كما نعته المؤرخ الفرنسي (شارل إيلوا)؟ أم مؤسس المساواة ومُقدس حقوق الملكية كما صرح المؤرخ البريطاني (أندرو روبرتس)؟


فقد ترعرع (نابليوني دي بونابرته) في كنف أسرة أرستقراطية تقطن بجزيرة كورسيكا، وإلتحق بفترة التعليم بالمدرستين العسكريتين بريان و سان سير، وأعلن عن نبوغ مستقبلي يتوهج في الأعالي بشتى مجالات التعليم من تاريخ وفنون وثقافة، وأبحر بين بحور أصحاب الفكر والمبادئ الحرة أمثال روسو والفيلسوف الفرنسي التنويري فولتير، حتى أنهي دراسته وغَدا ملازم أول بسلاح المدفعية داخل الجيش الملكي الفرنسي.


وحانت آنذاك فرص عصيبة أمام القائد الفرنسي نابليون بونابرت، لإثبات كفاءته ومهاراته العسكرية في ردع المظاهرات ومُنافحة الانقسامات، ومقاومة الحروب الأهلية التي شنتها الملكية ضد الدستورية، وعلى مشارف حقبة الجمهورية الفرنسية الأولى تلألأ نجمه وقام بقيادة حملتين عسكريتين، ضد الدول المُعادية لفرنسا الدستورية، واستطاع تشييد جمهوريات داعمة وشقيقة لدولة فرنسا في عُقر شبه الجزيرة الإيطالية، وما أن صار بطل قومي في بلاده وقاده جنون العظمة وزهو السلطة وسهو الشهرة، فقرر شن حملة حربية امتدت من مصر حتى الشام الجنوبية.



وبعد عقد كامل من الحروب النابليونية، نصب نابليون نفسه إمبراطوراً وخضع مجلس الشيوخ الفرنسي تحت هيمنته الجَهورية، فحتى القوى العظمى الأوروبية خارت قواها أمام حكمته العسكرية وعطش طموحه الاستبدادي الذي لا يرتوي، ولكن كما يُقال بالروائع الأدبية (سقطة الشاطر بألف)، فالغرور عندما يستحكم من شخص مهما كان عبقري، قد يطيح به نحو منزلة الحمقي، وهذا ما حدث مع نابليون عندما قرر غزو روسيا وتكبد هزيمة نكراء بمعركة الأمم، لتستشري الإطاحة نحو منزلة أدنى من الرعونة وهي الفشل، عقب اجتياح قوات الائتلاف السادس باريس، وإكراه نابليون على الاستسلام والنفي إلى جزيرة ألبا.


إلا أن بجانب سمة الغرور التي يتميز بها بونابرته، لا بد من وجود سمات أخرى مُصاحبة لها مثل العناد والمثابرة والأنفة، فخلال شهور قليلة اِقتمأ فيهم شكيمته وخبرة سنوات الانتصار، وعاد ليحارب قوات الحلفاء في  معركة واترلو لكنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وأطاحت بقايا الهمة والمُنة بقلب نابليون الذي قضى آخر أيامه في منفاه الأخير بالمستعمرة البريطانية (جزيرة القديسة هيلانة) حتى وافته المنية.


نابليون بونابرت وحياته العاطفية


يرى المؤرخ (شارل إيلوا) أن نابليوني لم يكن طاغية، رغم تأسيسه للدولة البوليسية في فرنسا، فهو لا يحمل اللون الأسود طوال الوقت ولا أيضاً اللون الأبيض، فقد كان يؤمن بالمساواة لكنه مُستنكراً للحرية المُطلقة، ولنا في إقرار الموت الرحيم الذي أتخذه خلال الحملة الفرنسية على المرضى بالمنطقة يافا، وتأثره الشديد الحساسية بمشاهد الدماء التي تكسو الثلوج عقب معركة إيلاو بين الجيش الفرنسي والروسي، مثال حي على أنه لم يكن شخص جاحد مُتبلد المشاعر طوال الوقت.


فقد تزوج القائد الفرنسي نابليون بونابرت من الأرملة جوزفين آل بوارنيه، وذاب في غرامها حتى إنه أمر بتغيير اسمها الذي كانت تبغضه وهو روز وسماها جوزفين، كما تقبل فكرة تبني طفلها من الزوج الراحل، وكان يرسل لها رسائل غرامية بأوقات السلم، ورغم ذلك لم يستطع السيطرة على قلبه أمام الساحرة پولين، وكانت تلك العلاقة المُتأججة بصبابة الحب والهيام تتأجج خلال حملته على مصر، فقرر تسميتها كليوباترا.



وطارح نابليون الكثير من الغراميات ودونها برسائل العشيقات، وأنجب منهن نغول أي أطفال زنا ليسوا مُتنزهين لمنزلة ورثة الأب وحاملين كنيته، فالزوجة جوزفين لم تكن مؤهلة للإنجاب، فقد كانت تعاني من اضطرابات نفسية بسبب مواجهتها حادثة إجهاض بالعشرينات من عمرها، كما أن ضاقت ذرعاً جراء غياب نابليون عنها بسبب حملاته العسكرية، مما جعلها تضعف أمام علاقة غير شرعية مع الملازم شارل هيبوليت، وبعد أن وصلت الحياة الزوجية بينهما عند منعطف الفشل والفتور، إلى جانب العوز الأبوي والملكي لطفل وريث له يخلفه العرش والممالك التي يستملكها بالسطوة، فقررا الانفصال وبعدها تزوج من الأرشيدوقة النمساوية (ماري لويز).


وأنجب منها طفله الوحيد (نابليون الثاني) أو ملك روما كما أطلق عليه أسرته، لكنه لم ينطبق عليه الحكمة الشهيرة "من شابه أباه فما ظلم"، فلم يصمد على العرش أكثر من أسبوعين، وبعمر الواحد وعشرين سقُم بداء السل ومات، ورغم أبناء بونابرته الكثيرين من أمهات مجهولات وعشيقات مثل إليانوروألكسندر، وهناك من لم يتم الإعلان عنهم، إلا أن وريث الحكم يجب أن يكون نتاج علاقة شرعية وليس نزوة عابرة، فالنغول لا يُنصبون حكاماً على البلوتقراطيون. 

نابليون بونابرت والحملة المصرية

من السمات الجيدة لأي قائد مُحنك أن يكون متصالح مع الحقيقة، وهذا ما كان يمتلكه القائد الفرنسي نابليون بونابرت آنذاك، عندما خطط لمدة شهرين كيف سيفرض حصاره على الطريق المُمتد بين بريطانيا حتى الهند، فلن يصمد الأسطول الفرنسي أمام البحرية البريطانية بالقناة الانجليزية لفترة طويلة، وبالأخير سينهار الجيش ويقع فريسة تحت وطأة الإنجليز، مما جعل بونابرته يفكر في موطئ قدم بالأراضي المصرية حتى تصبح مهمته العسكرية أقل حدة.


كما أراد نابليوني بعبقريته الحربية ومهارته في فن السياسة والخداع، أن يكسب ود المسلمين سواء في مصر أو الهند، فهو صديق للخلافة الإسلامية الذي سيثير إعجاب السلطان فاتح علي تيبو المٌلقب بـ (أسد ميسور)، مخترع المدفع الصاروخي وكاره الإنجليز وباسط نفوذه وقوته بجنوب الهند، ليس هذا وحسب بل وعد الأمراء الهنود بالتحالف معهم أمام صفوف بريطانيا، وتسليح جيوشهم بالسلاح إضافة إلى 15 ألف جندي يصطفون من محافظة السويس حتى الهند، فتلك الصفقة باتت مُهيجة لشهية السلطان تيبو الحربية، وبالفعل تحرك الجيش النابليوني كالسيل المأهول حاملاً السلاح والعتاد إلى جانب 167 عالم في الكيمياء والرياضيات والجيوديسيا، منهم الأكاديمي (جون فرانسوا شامبليون) الذي فك رموز حجر رشيد وأسس نظريات وقواعد علم المصريات الحديث.



استخدم نابليون الدعاية الزاعمة أنه اعتنق الإسلام، كي يكسب ثقة الدولة العثمانية، وحتى يقتنص تلك الثقة من قلب السلطان العثماني بدون هوادة، قام بالاقتصاص من المماليك وهم أعداء لدودين له، وبالفعل هزمهم شر هزيمة مما دفعته الحماسة نحو معركة أخرى أشد شكاسة وهي (معركة الأهرام)، التي حقق فيها مرة أخرى الجيش الفرنسي انتصار مُحقق أمام صفوف الجيش المملوكي، ونبتت شائعة مرتبطة بتلك المعركة التي احتدمت بالقرب من الأهرامات، تشير أصابع الإتهام نحو نابليون في تدمير أنف أبو الهول، إلا أن بعض علماء الأركيولوجيا استنكروا الأمر ورجحوا أن أنف أبو الهول اختفى بفضل عوامل البيئة والأمطار والتعرية.


وما أن وسع صيت نابليون كرجل مسلم أنقذ سكان مصر من جور المماليك، فقد كان يرتدي الجلباب والعمة ويصلي الجمعة بالمسجد، كما شكل ديوان استشاري مكون من 11 عالم وشيخ مسلم، فقد أطلق عليه المصريون اسم عربي وهو (علي نابليون بونابرت) والبعض الآخر نصبه حاكم مسلم على البلاد وسموه (بونابردي باشا)، مما أثار حفيظة السلطان العثماني وشعر بالقلق حيال هذا الماكر الأهوج، فقرر التحالف مع الجيش الروسي والإنجليزي من أجل الإطاحة به خارج البلاد، إلا أنه أحبط مخططهم واستطاع عقب معركة (أبي قير البحرية) بسط نفوذه في مصر، حتى إنه أنطلق كالسيل الجارف المتعطش للإِسْتِئْثار وتطويع كل الممالك في بلاد الشام نحو إمارته، فقد استوطن جيوشه في العريش، يافا، حيفا، غزة وحتى جنوب لبنان.


كانت جيوش نابليون تقتل وتسفك الدماء بضراوة وتنصب منصات إبادة جماعية لكل المدافعين عن تلك الممالك بعد الهزيمة، فارتكبوا العديد من جرائم الحرب وسرقوا ونهبوا خيرات المدن والأهالي، حتى ردعت مدينة عكا هذا الطغيان الفرنسي الغاشم، فقد صمد والي عكا (أحمد باشا الجزار) وظلت حصونه منيعة أمام نابليون، حتى حاصرت الأمراض والأوبئة الجيش الفرنسي مثل الطاعون والملاريا، فقد واجه الجيش النابليوني فتكاً مهيباً، مما جعل نابليون يتراجع بعد هزيمته النكراء.



وعندما عاد أدراجه لباريس سُئل السؤال الأكثر شهرة بالتاريخ الحديث وهو " أي حصون الشرق أمنع على فرنسا؟"، فبصق نابليوني إجابته الرنانة التي تصك مسامعنا اليوم بالحسرات والندم وهي.. الأمهات الصالحات، ومن وقتها وهم يستخدمون كل الأساليب الدنسة والملتوية كذكور الرَّأْسقَدَميَات البحرية الذين يتظاهرون بأنهم إناث حتى يهربون من الذكور الأقوياء ويلقحون الإناث، فقد أفسدوا نسائنا وأمهاتنا بالأفكار النسوية والحريات والاستقلالية الوهمية، وغيرها من الثقافات المُحاربة للفطرة والنابعة من إجابة نابليون الخالصة. 


 نابليون بونابرت والإسلام


كل المعارك الفكرية والجدلية نحو تاريخ نابليون تم حصارها في نقطة اجتمع عليها كل المؤرخين، ألا وهي احترام القائد الفرنسي نابليون بونابرت للإسلام، وإعجابه المُتناهي للرسول صلوات الله عليه، فقد كان يرى فيه مثال للشخص المؤثر دينياً وعسكرياً وسياسياً، فألهمه نبي الإسلام للقراءة عن سيرته النبوية وتاريخ العرب حتى قبل شن حملته على الشرق الأوسط، لدرجة أنه كتب قصة وهو بسن الشباب اسمها (قناع الرسول)، وخلال رقش مذكراته في منفاه بسانت هيلين، لم ينسى الاسترسال في التغزل بالإسلام والمديح في حضرة النبي الأمي الأمين، ومن ضمن هذه السطور الموضوعية والمتعاطفة والمُنبهرة بالديانة الإسلامية كانت 


" يُبهرني في الدين الإسلامي أنه في غضون عشر سنوات فقط، استطاع استقطاب أكثر من نصف سكان الكون، فقد كان نبي الإسلام عظيماً مغواراً وقائد مقدام وخطيب مُصقع فصيح اللسان، ورجل ذو بأس شديد، نجح في توحيد الناس نحو الإيمان بإله واحد وتدمير الألوهية المزيفة، وتشييد حضارة إسلامية عريقة بشبه الجزيرة العربية"


نهاية نابليون بونابرت


وبعد هزيمته النكراء على يد الروس ومحاولاته المُستميتة لإستعادة رونقه العسكري وعبقريته المسلوبة جراء الغرور والهوجائية، تم نفيه بشكل نهائي إلى جزيرة (سانت هيلينا) بالمحيط الأطلسي، يقضي وقته في تسطير مذكراته بين الحرب والحب، وممارسة عاداته المُفضلة مثل لعب الشطرنج وركوب الخيل واستماع الموسيقى، حتى عرف المرض طريقه له وتسلل إليه بدون أي مقاومة معهودة منه ووافته المنية سنة 1821.


إلا أن سبب الوفاة حتى اليوم عليه لغط كبير، فطبيبه (فرانشيسكو أنطومارشي) يُشير إلى سبب الوفاة بتقاريره الطبية على أنها مضاعفات سرطان المعدة كما توفي والده، أما خبير السموم (ستين فروشوفود) فيرى أن نابليون بونابرت لقي حتفه بفعل سم الزرنيخ المُتعمد، ونشر تلك النظريات المشكوك في أمرها بمقال بمجلة علمية سنة 1961، وأختلفت الحقائق حول وفاة نابليون ولكن الحقيقة الواحدة المُعلنة، أنه دُفن بالمنفى وليس بضفاف نهر السين الفرنسي كما كان يُوصي وهو على فراش الموت، وبعد حوالي عشرين عام مضت على وفاته، تم نقل رفاته إلى كنيسة في منطقة ليزانفاليد بباريس ودُفن هناك.



وعند هذا القدر أكون قد استوفيت وكفيت عن تسليط الضوء نحو أهم الأحداث العاطفية والحربية والموضوعية بحياة القائد الفرنسي نابليون بونابرت، فهل ترى بنهاية الأمر أنه كان عبقري لديه مُبررات منطقية نحو الهيمنة والسلطة؟ أم مجرد غوغائي دموي مثل الكثيرين من الفاشيين الجائرين على مر التاريخ؟ 


تعليقات