يتردد في أذهان الكثير من شباب الجيل الحالي سؤال مصيري اليوم وهو.. هل الزواج في مصر مشروع فاشل؟ فبعد أن وصلت آخر الإحصائيات لنا تشير إلى حدوث نسبة طلاق كل دقيقتين تقريباً، بالتزامن مع حدوث انخفاض في نسبة إقبال الشباب نحو الزواج بنسبة 3.9 % بين عامي 2020 و 2021.
هنا لا بد من الإلحاح في معرفة إجابة شافية ووافية لهذا السؤال المُحير.
الزواج في مصر
أصبح الكثير من الشباب اليوم يعزفون عن فكرة الزواج، بل رفع بعضهم وسم "الزواج من المصريات خطر"، هذا بسبب قوانين الأحوال الشخصية المُجحفة للرجل، التي شجعت الكثير من الفتيات ضعيفات الإيمان على الخُلع أو طلب طلاق الضرر، لمجرد علمهن بأن القانون سينصفهن بكل الحالات وسوف يحصلن على الكثير من المكتسبات من الطليق، لدرجة أن البعض منهن أصبح يتعامل مع الزواج على أنه تجارة وصفقة رابحة.
مما جعل الكثير من الشباب العصري يتعظوا من مآسي ضحايا الزواج في محكمة الأسرة، لتبلغ نسبة العنوسة في مصر بعام 2017 تقريباً 13.5 مليون، منهم 2.5 مليون شاب سنه تعدى الـ 35، و حوالي 11 مليون فتاة سنها أيضاً تعدى نفس الرقم، حتى إن النسبة زادت حالياً لتصل إلى 13 مليون وأكثر.
عادات وتقاليد الزواج
الزواج في مصر أيضاً أصبح مُحاط بالكثير من العادات والتقاليد المُختلقة، التي لا صحة لوجودها بالشرع، مثل المُغالاة في المهور والإمضاء على قائمة منقولات زوجية تم بسببها سجن الكثير من الأزواج، بجانب قيام بعض آباء البنات بإجبار الشباب على أن يمضوا إيصال أمانة بدون وجه حق!!
ما هذا العبث؟ هل ذنب هذا الشاب أنه أراد الزواج بابنتك واحتوائها ورعايتها وتولي مسؤوليتها بالنيابة عنك؟ فبدلاً من أن تتخذه ابن لك وتراعي الله فيه وأنه في مقتبل العمر، وأن هذا الزمن المشحون بأمراض مجتمعية كالبطالة والكساد الاقتصادي، جعل على كاهل الشاب الكثير من الأعباء التي يتحملها حتى يستطيع بناء عش الزوجية.
فقد تم خداع الكثير من الشباب بالسابق بهذا العبث، بحجة أنه يتزوج ولا ينبغي أن يفكر في الطلاق، وأن تلك العادات والاحتياطات لحماية حقوق الفتاة، كما أن " الشاري بيمضي من سُكات"، بالطبع شباب اليوم لا يمكن خداعهم بمثل هذه الترهات الفارغة.
الفرق بين الزواج التقليدي والزواج عن حب
رغم أنني ضد فكرة الزواج التقليدي أو كما يُسمى في مصر "زواج الصالونات"، لأنني أجده ظالم للشاب والفتاة اللذان يتزوجان وهما لا يعرفان طباع بعضهما بشكل جيد، كما أن فترة الخطوبة أحياناً لا تكون كافية للتعارف بطريقة شاملة لكل الخصال والمميزات والعيوب.
بجانب أن هناك بعض المخادعين والمُخادعات منهم، فقد يكون الشاب مُدخن مثلاً ويقنع خطيبته وأهلها أنه غير مُدخن طوال فترة الخطبة، وقد تكون الفتاة سيئة الخُلق سليطة اللسان ومسمومة بأفكار النسوية، ومع ذلك تصطنع هذه الفتاة سلوك مُغاير لحقيقتها حتى تتم الزيجة، ليكتشفان الحقيقة المُرة بعد فوات الأوان.
كما أن هناك فتيات تقبل بالزواج التقليدي وهي مُجبرة من الأهل، وقد يكون بحياتها حبيب أو خليل وتستمر العلاقة بينهما حتى وهي مخطوبة، وأعرف شاب بشكل شخصي وقع ضحية لفتاة كانت تجمع بين علاقتين الخطيب والحبيب حتى انكشف أمرها.
إلا أن هناك شباب تفضل الزواج التقليدي عن الزواج عن حب، فالحب بالنسبة لهم إما مُحرم أو غير مُستطاب، هؤلاء الشباب قد يبحثوا لشهور أو سنوات حتى يجدوا الفتاة المناسبة بالنسبة لهم للزواج.
وهناك فتيات ترضى بالزواج المُدبر، فهي تعتقد أن شاب في الثلاثين من عمره عندما يقرر الزواج منها، فقد قطع شوطاً طويلاً في تحقيق أحلامه وطموحاته، حتى إنه أصبح صورة مُصغرة من رجل الأعمال أبو هشيمة.
ورغم أنها ليست هيفاء وهبي أو ياسمين صبري، إلا أنها ترفض فكرة زواجها زواج صالونات من شاب ثلاثيني ظروفه المادية متواضعة، فهي تبحث عن الثري العربي أو جون ديلينجر أشهر سارق بنوك في أمريكا بالثلاثينات.
كما أن بعض تلك الزيجات من قبل صالونات الزواج في مصر لا تتم بشكل جيد، بسبب عدم وجود قبول على مستوى الشكل والراحة النفسية واختلاف التنشئة الاجتماعية، مما جعل معظم مشاريع الزواج التقليدي فاشلة.
الزواج عن حب
أما الزواج عن حب فقد يميل بعض العاطفين والرومانسيين له خاصة الفتيات، فهو يجعلك تصبح كالضرير المُنساق خلف مشاعرك الجياشة بدون موضوعية أو مشاورة العقل، والتي تؤدي بك للصدام بجدار الواقع والتنازل عن كرامتك وشخصيتك تحت مُسمى الحب.
بالإضافة إلى أن الزواج عن حب، يحولك إلى شخص تميل دائماً لوضع حياتك الزوجية في مقارنة، بين ما كنت تريده بخيالاتك العاشقة، وبين ما تلمسه مع شريكك الذي يتضح لك أنه إنسان قبل أي شيء وليس مخلوق من كوكب آخر كما كان الحب يوهمك.
ولا ننسى أن ارتباط بعض الشباب والفتيات، وبالأخص الفتيات بالأفلام والمسلسلات الهندي والتركي، التي أظهرت صورة مُبالغ بها عن الزواج عن حب، جعلت الكثير منهن يحملن إعاقة عاطفية لا يستطعن معها التعامل مع الحب الواقعي، حتى إن الدراسات والإحصائيات قد أثبتت أن معظم حالات الطلاق الموجودة في مصر، كانت بعد علاقات غرامية وزيجات رومانسية.
لذا فالزواج المصقول بميزان حساس، يجمع بين مشاعر نبضات القلب، وتحذيرات واستنباطات خلايا العقل، هو من وجهة نظري من يدعم العلاقة الزوجية لفترة أطول من الزواج التقليدي والزواج الرومانسي.
رهاب الجاموفوبيا
بجانب فشل الزواج التقليدي والزواج عن حب، فهناك من يعاني من "رهاب الجاموفوبيا" أو رهاب الزواج، أي خوف المتزوج من مسؤوليات الزواج ومشاكله، وهذا الرهاب بالطبع يعاني منه الشباب أكثر من الفتيات.
هذا المرض النفسي له دور كبير في عزوف الكثير من الشباب عن الزواج اليوم، بجانب الخوف من أن يتجرعوا من نفس الكأس الذي شرب منه بعض الرجال والذين سأروي لكم قصص بعضهم.
تجارب أصدقائي مع الزواج
لقد حضرت الكثير من حفلات العُرس والزيجات الحميدة لأصدقائي، حتى إن معظمهم تزوجوا تقريباً، إلا أنهم ليسوا سعداء بعد الزواج كما كانوا يعتقدوا، حتى إن منهم من وجد الطلاق حل للخلاص من هذا الذنب الضروس.
الصديق الأول
كان يمتلك نفس حلمي ويسعى ليصبح كاتب صحفي كبير، رغم أنه تغلغل داخل حقل الصحافة وهو في مقتبل العشرين، إلا أن والده أجبره على الزواج من فتاة لا يعرفها، وعندما تقابلنا بعد سنوات من الزواج وأخبرته عن حلم الصحافة، أخبرني أنه ألقي هذا الحلم من شُرفة عالمه، وأنه يداوم على العمل بوظيفتين حتى يستطيع تولي نفقات أسرته وأبنائه بشكل جيد، وعندما أخبرته بأن يعود للسعي نحو حلمه، رد عليه بصوت بائس
- أن الحياة الزوجية لا تنسجم مع عالم الأحلام
فأخبرته مندفعاً
- وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة.. يجب أن تدعمك زوجتك.
فابتسم بوجهي ساخراً
- لقد ولى زمن العظماء، الواقع اليوم يحتاج إلى عبيد نحو لقمة العيش.
بعدها ربت صديقي على كتفي بحب صادق ونصحني بأخوة وعشم
- إذا أردت أن تُكمل في السعي نحو حلمك، فقم بإقصاء فكرة الزواج من عقلك.
الصديق الثاني
صديقي الثاني كان مُتيم بفكرة الزواج بسن صغير، والذي يتعارض معه كل علماء النفس والاجتماع، فالسن المناسب للزواج عند الرجال منذ منتصف العشرينات وحتى منتصف الثلاثينات، إلا أنه تسرع وتزوج وهو في الثانية والعشرين من عمره، ورغم تقديم النصح كثيراً له لكنه كان متعنت نحو وجهة نظره عن الزواج صغيراً.
فقد قدمت له المُباركة على منصة زفافه (الكوشة) وتمنيت له حياة زوجية سعيدة وأن يخلف الله ظني، فنظر لي بأريحية قائلاً
- مفيش أحسن من الحلال يا صاحبي.
وقابلته بعدها ببضعة شهور، ودلفنا نحو أحد المقاهي واحتضنا منضدة عليها مشروبين، وما أن استهلت في السؤال عن حياته بعد الزواج، إلا وقد عقد حاجبيه بامتعاض شديد ناصحاً لي
- فاكر لما قلتلك مفيش أحسن من الحلال.. نصيحة مني شيل موضوع الحلال ده من دماغك وكمل زي ما أنت!!!
هذا الصديق اليوم يخبرني بكل صراحة، أنه لولا إمضائه على قائمة منقولات زوجية بمبلغ أثيل لقام بتطليقها، لذا فالبنات اليوم وأهلهن حريصين على إمضاء الشاب على ضمانات من أجل الزواج في مصر، تجعله يتحمل أعباء فتاة ناشز لم يتم تربيتها على تولي المسؤولية كزوجة وأم.
الصديق الثالث
أما عن صديقي الثالث المتزوج حديثاً، والذي لم ولن أدافع عنه بل سأدافع عن زوجته، فهو للأسف لديه بعض التخيلات عن الزواج والتي تأثر بها بسبب مشاهدة الأفلام الإباحية، وبالطبع الحياة الزوجية مع زوجتك ومعاشرتها، أنقى وأطهر من ماجنات تلك الأفلام.
فممارسة علاقة حميمية مع زوجتك بكل الصور وتحت كل الأجواء حقك وحقها، ماعدا إتيان الزوجة في دبرها فهو ضد الشرع، إلا أن صديقي كان له أفكار وخيالات لا يمكن ممارستها مع فتاة وزوجة محترمة.
مما جعله يستمر في علاقاته المُحرمة مع فتيات فاسقات على مواقع السوشيال ميديا، وتطبيقات المواعدة الخليعة، وعندما نهرته بشدة وأنه عليه أن يحترم زوجته، أخبرني أنه ندم وتسرع في أمر الزواج، وأنه مُحاط بالمشاكل الزوجية طوال الوقت، مما جعله يخلق مبرر وهمي يطمر تحته أفعاله المُعربدة.
الصديق الرابع
هو للأسف لم يُحسن الاختيار، فقد تزوج من فتاة صغيرة لم تبلغ سن العشرين، فتاة تربت على يد النسويات أمثال رضوي الشربيني ومفيدة شيحة، وغيرهن من مذيعات القنوات الخاصة اللاتي لهن دوراً هام في تدمير كيان الأسر المصرية.
فعندما يخبرها بتحضير كوب شاي له ليلاً بعد عودته من يوم عمل طويل تمتنع وتخبره أنها ليست خادمة لديه، عندما يطلبها لفراش الزوجية ترفض حتى بدون مبرر، وعندما يلح في طلبه تتهمه أنه مثل الحيوان ولا يحق له حتى الإلحاح في طلبه.
الغريب أن تلك الفيمنست الإسلامية تستخدم أمور في الشريعة حسب أهوائها، مثل أن زوجها لا بد من العمل والإنفاق عليها حتى يكون له حق القوامة، ومن نحو آخر فهي ليست مجبرة على طاعته واحترامه ومعاملته معاملة سيئة بشرع قوانين النسوية الغربية.
لم يجد هذا الصديق الذي لم يُحسن اختيار زوجته، حلاً سوى طلاقها والتخلص منها، بعد محاولات مُستديمة منه في إصلاح طباعها التي تشبعت بروائح العند والنشوز.
قطار الزواج
عندما قال رسول الله
يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ
ما الاستطاعة التي كان يقصدها رسولنا الكريم هنا؟ هل هي الاستطاعة المادية فقط!! بالطبع خاتم الأنبياء كانت كلماته أكثر عمق وجزالة من أن تترجم لمقصد واحد، فالاستطاعة هنا لا بد أن تشمل الجانب المادي والفكري والنفسي والصحي.
فكما أن هناك زوجات نواشز، هناك شباب لم ينضج بشكل كافي ليصبح زوج أو أب، هؤلاء الشباب عليهم أن يتعلموا كيفية الاختيار، فقطار الزواج ليس القطار الوحيد بمحطة الحياة، فهناك عربات أخرى يجب امتطائها أيضاً كعربة العمل والعلم.
فإذا كنت تبحث عن الزواج من أجل إتمام نصف الدين، فهناك نصف آخر يحتاج منك إلى مجهود لإتمامه قبل الزواج.
إذا كان الزواج بالنسبة لك سنة الحياة، فأنت مطالب بالفروض قبل السنن والنوافل، ولا يوجد أعزب يدخل النار لأنه لم يتزوج.
في حالة زواجك من أجل إرضاء العائلة والمجتمع، فعندما تعيش حياة زوجية تعيسة مثل أصدقائي الأربعة، لن يحمل أحد عنك عبء هذه التعاسة.
بالنسبة للشباب الذين يتزوجون من أجل الشهوة والجماع، فمتعة الشهوة متعة زائلة لا تستقطع حتى جزء من عُشر سنوات حياتك الزوجية.
وعن الزواج من أجل الإنجاب، فقد يحدث طلاق ويصبحون الأطفال سبب في معاناتك بسبب قوانين الرؤية الظالمة، ومذلة الآباء بمحاكم الأسرة.
فهل نتبع حكمة الفيلسوف سقراط حينما قال
الراجل العاقل لا يتزوج
بالطبع هذا ليس مقصدي، فكل شخص حراً في اختيار أولوياته في الحياة، فإذا كنت مُصر على الزواج واتباع السنة النبوية، فعليك بالتمهل والبحث بحرص شديد عن شريك حياتك، وليس مجرد زوجة للجماع والإنجاب، وتذكر أن الفتاة العاقلة الصالحة اليوم عملة نادرة، كما أن الشاب الذي يتسم بمزايا الرجال لتولي دفة قيادة أسرته، أيضاً نادر بهذا الزمان.
وبالنهاية الزواج ليس مشروع فاشل؟ بل الطريقة التي تتم بها الزواج، المُغلفة بالعادات والتقاليد وهرطقة الزيجات المُزركشة بالمُباهاة والتكلف، بجانب تجاسر قوانين الزواج والطلاق، التي لا بد من تعديلها حتى تكون عادلة للرجل والمرأة والأهم تكون مُنصفة للطفل، هي من جعلت الزواج في مصر مشروع فاشل وخطر على الشباب والأطفال.
تعليقات
إرسال تعليق