قال الفيلسوف الأيرلندي (إدموند بورك) مقولة تنطبق على الملياردير إيلون ماسك وهي
" إذا كنت تقود أموالك فأنت رجل غني وحر، أما إذا كان مالك هو من يقودك فمازالت رجل فقير"
فيبحث كل شخص يريد النجاح عن قدوة يقتدي بها ويحاول أن يحذو حذوها، ومن منا لا يريد الثراء والشهرة والتأثير بالمجتمع!؟ وكل تلك المزايا متوفرة مع صاحب الشخصية المؤثرة في مقال اليوم وهو إيلون ماسك، ذلك الرجل الكندي الذي عانى من تسلط أبيه وتنمر زملاء المدرسة وكراهية ابنته، ورغم ذلك كان يؤمن بحلمه وهدفه ليغدو اليوم أغنى رجل بالعالم، حيث صنفته المجلة الأمريكية (فوربس) كونه الرجل الأكثر نفوذاً رقم 21 بالعالم، خاصة بعد أن تخطت ثروته ال 240 مليار دولار سنة 2023.
فالكاتب الصحفي والتر آيزاكسن نشر الكثير من السير الذاتية للعباقرة الأموات أمثال أينشتاين وستيف جوبز، لكنه لأول مرة يهتم بالنشر لشخص حي بالخمسين من عمره وينشر قصته المُلهمة في كتاب ناجح، فقد وجد في سيكولوجية ماسك الغرور والاحترام للذات، حيث صرح بأن إيلون ماسك يرى في نفسه شخصية تاريخية تستحق القراءة عنها.
طفولة الملياردير إيلون ماسك
وُلد رجل الأعمال الكندي (إيلون ماسك) في مدينة بريتوريا في جنوب أفريقيا سنة 1971، ولكنه لم يترعرع داخل أجواء عائلية مستقرة، حيث انفصلا الأب والأم سنة 1980 واختار ماسك الحياة مع أبيه رغم عدم التوافق والترابط بينهما، لكنه كان يعوض هذا الفتور بالاندماج مع هواية القراءة خاصة بمجال الحوسبة، لدرجة أنه بسن المراهقة قد أتقن البرمجة بدون كورسات أو معلم، وكان يقرأ كثيراً للكيميائي الحيوي إسحق عظيموف وهو كاتب ومفكر روسي مؤمن بأهمية الحضارة والتسلح بالعلم لمواجهة عصور الظلام.
تجشم إيلون ماسك في طفولته من تنمر زملاء الدراسة، كحال معظم الطلاب المتميزين وحشد الأحقاد والضغائن من قبل الفاشلين تجاهه، فقد قامت مجموعة من المتنمرين بسحله على الأرض حتى غاب عن الوعي، وبمرة أخرى قاموا بشن شجار معه ودفعه نحو السلالم، ولكن هذا الحادث الهمجي استدعى نقله سريعاً للمشفى، وانتهت الأيام الطفولية وما يعقبها من مراهقة بائسة، ليخطو بداية حصاد ثمار التعليم الجامعي داخل أروقة جامعة كوينز ومن بعدها جامعة بنسلفانيا.
فقد قرر ماسك بعد التجنيس بالجنسية الكندية بفضل والدته الأجنبية، أن يحصد بكالوريوس في علم الفيزياء وبكالوريوس آخر في علم الاقتصاد، ويطوع الشهادتين لخدمة مساره الذي سيشقه نحو عالم الأحلام والثراء، خاصة بعد ترك رسالة الدكتوراه التي كان سيشرع في التفرغ لها، لكنه فضل الحياة المهنية عن التعليمية وتوجه نحو بداية تطبيق أفكاره الخصبة من أجل تطوير شبكة الإنترنت وتغذية سفن الفضاء بالطاقة المتجددة.
سيكولوجية الملياردير إيلون ماسك
حصل ماسك على الجنسية الأمريكية عام 2002، لم يكن شخص ودود يبحث عن الحب والدفء الأسري، وكل تلك المقومات الإنسانية التي تتطلب مزيد من الوقت والمشاعر، فحتى زوجاته وأبنائه كانوا بالنسبة له موظفين داخل مؤسساته العلمية والاقتصادية، فلا مجال لهذا الهراء العاطفي، فهو تركيبة مُعقدة نابعة من علاقة أبوية مؤذية نفسياً وحتى جسدياً، فقد ضاق ذرعاً من العنف الأسري مع أبيه إيرول الذي هجره ورفض ملاقاته لسنوات عديدة.
فدماغ ماسك تسجل صور وحشية تمثل الجانب الشيطاني لدى بعض الشخصيات التي شاركته الرحلة الحياتية المؤلمة، وكان الأب العنصري تجاه الأفارقة والجد التكنوقراطي من ناحية الأم أحد أهم هؤلاء الأشخاص الذي يكن لهم ماسك ضغينة بليلة، فالجانب العنصري في حياته ساهم في تشكيل تلك الشخصية التي اجتثت الجوانب الإنسانية ونحت بها جانباً، وأطفحت مكانها أكواد برمجية وطموحات استثمارية.
شركات إيلون ماسك
قام ماسك وشقيقه كيمبال عام 1995 بتأسيس شركة (زيب 2) المتخصصة في برمجة مواقع الإنترنت، وبعد 4 سنوات قاما ببيعها لشركة كومباك وحصل على حصته التي كانت تقدر آنذاك ب 22 مليون دولار، بعدها أسس شركة (إكس دوت كوم) وتم دمجها مع شركة (باي بال)، حيث تم تخصيصها في تقديم خدمة الدفع السريع عبر الإنترنت، وبعد خلافات بينه وبين مجلس إدارة الشركة، تم بيع أسهمه مقابل 156 مليون دولار، لكنه عاد لينتقم بعام 2017 وقام بشراء الشركة مرة أخرى من أجل إرضاء غروره، أو كما أدعى هو أن الصفقة بها محاور عاطفية.
واستمر إيلون ماسك في رحلة مهنية ناجحة مُترعة بالمغامرات والمكاسب الخيالية، بداية من مؤسسة (سبيس إكس) لخدمات الفضاء وصناعة المركبات الفضائية مثل صاروخ Falcon 9 والسفينة الفضائية Dragon، بالإضافة إلي خدمات الإنترنت الفضائي Starlink، وبعدها افتتاح شركة (تسلا) المتخصصة في صناعة سيارات تعمل بالطاقة الكهربائية والشمسية، مثل سيارة Roadster وسيارة الدفع الرباعي الرهيبة Model X.
وبمحطات رحلته الجامحة ترجل من قطار النجاح متجهاً نحو شركة Neuralink، التي تهدف لإحداث ثورة في عالم الميكاترونيكس وربط الدماغ البشري بالحاسوب والآلة، ولم يروي ماسك ظمأه للنجاح والتقدم الحضاري، فقد أسس شركة The Boring Company من أجل إقلال التكدس المروري وبناء أنفاق سريعة يشغلها نظام نقل كهربائي معقد وآمن، حتى الذكاء الاصطناعي الذي حذر منه إيلون ماسك وأنه سيصبح قوة هدامة يواجهها البشر، فقد قرر أن يبني شركته المعتمدة على تلك التقنية الأكثر تأثيراً بالعالم اليوم وهي شركة (إكس إيه آي).
زوجات وأطفال الملياردير إيلون ماسك
تزوج ماسك مرتين زواج رسمي، الأولى هي الكاتبة (جوستين ويلسون) وأنجب منها 6 أطفال توفي أحدهم وهو صغير، كما تزوج من مديرة شركة Neuralink (شيفون زيليس) وأنجب منها توأمان، وارتبط بعلاقة غير رسمية مع مطربة كندية اسمها (غرايمز) وحملت منه 3 أطفال آخرهم طفل سماه (تيكنو ميكانيكوس)، ويتباهي ماسك بجيناته الوراثية التي تحمل كروموسومات الذكاء ويتم تناقلها عبر أجيال، فهو أب لعشرة أبناء وصرح مؤخراً أن أبناؤه يجب أن يتكاثرون، حتى ينبت جيل آخر يُكمل مسيرته في حماية الحضارة.
رغم ذلك فهو لديه ابنة من جوستين، تبغضه وترفض الحياة معه فهي تحمل أفكار ماركسية ولا تريد أن يكون أبيها البيولوجي شخص مثل ماسك، كما أنها متأثرة بالأجندة الغربية التي تدعم المثلية والتحول الجندري، لدرجة أنها قدمت التماس إلى محكمة كاليفورنيا وطالبت بتغيير اسمها وهويتها إلى (فيفيان ويلسون)، وقد وجه ماسك اللوم للمدرسة الثانوية التي تعلمت بها ابنته، فهي من غرست بعقول هؤلاء المراهقين فيروس العقل اليقظ، لذا قرر ماسك دفع 44 مليار دولار من أجل شراء منصة تويتر والتي تحولت حاليا إلى إكس.
فقد دفع ماسك ذلك المبلغ المهول من أجل الدفاع عن حرية الرأي والأفكار التي تساهم في بناء الحضارات، ومناهضة الأفكار التي تدمر الأجيال مثل المثلية والنسوية وغيرها من الثقافات الهدامة، وبالفعل تغير وضع المنصة 180 درجة بعد ترأسها إيلون وفريقه من الداعمين لكل التغريدات المحاربة لتلك الأفكار المُنافية للفطرة، على نقيض ما كانت عليه المنصة من قبل وكذلك معظم منصات السوشيال ميديا مثل فيسبوك وتيك توك.
مواقف إنسانية في حياة الملياردير إيلون ماسك
يؤمن إيلون ماسك بنظرية المؤامرة اليمينية، وينتقد الفكر اليساري السياسي وحكم الديمقراطيين من حين لآخر، فهو معجب إلى حد كبير بالجمهوريين وهذا ما حاول الصحفي (والتر آيزاكسن) توضيحه في كتاب السيرة الذاتية لماسك، رغم ذلك فهو يرى ترامب رجل مخادع وبايدن مجرد دمية مملة وغبية، وقد أثبت بمواقف إنسانية وعملية مدى إيمانه بتلك الأفكار الرنانة والتي توقظ العقل من سباته المترنح، فهو بالفعل رجل حر لا يمكن تكبيل فمه أو برمجة عقله بفيروسات العقل اليقظ كما حدث مع الآخرين.
فالتاريخ سيذكر أن إيلون ماسك قدم الدعم للقضية الفلسطينية، حتى لو من باب التكفل بمفهوم الحريات، ورفض إتباع سياسة المنصات الأخرى على شبكة التواصل الإجتماعي، في طمر حقيقة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة منذ طوفان الأقصى الذي تأجج يوم 7 أكتوبر سنة 2023، فيمكنك نشر تغريدات وصور وفيديوهات تكشف الوجه الغوغائي البربري للعدو الصهيوني الجائر بدون قلق من تعرض حسابك للحظر أو الانتهاكات.
ليس هذا وحسب بل أعلن عن إمداد قطاع غزة بالإنترنت الفضائي التابع لشركة (سبيس إكس)، بعد قطع خدمات الإنترنت والكهرباء والماء عن السكان الأصليين لبيت المقدس، وأصر إيلون ماسك رغم كل الضغوط السياسية من قبل البيت الأبيض والرأسماليين المتحالفين مع جيش الاحتلال، على تغذية مؤسسات الإغاثة الدولية، من أجل سرعة إنقاذ الشيوخ والأطفال والنساء والعُزل المتضررين من القصف الهمجي الجَلِف من قبل الإسرائيليين.
ومازال ماسك يقدم المزيد من المواقف الإنسانية، التي يراها النظام الأمريكي والبيت الأبيض معادية للسامية، كما قامت بعض الشركات الداعمة لجيش الاحتلال مثل شركة أبل وديزني وIMB بإيقاف كل إعلاناتها على منصة إكس، كنوع من أنواع الضغط حتى يعزف عن تقديم المعونة والدعم اللوجيستي بالمعلومات من أجل القضية الفلسطينية.
فهل سيظل الملياردير إيلون ماسك رجل حر غير مريض بازدواجية المعايير مثل الكثيرين بالدول الغربية والمُصطنعين بالدفاع عن الحريات؟ أم سيرضخ لتلك الموجة العاتية ويسير على نهج مارك زوكربيرغ؟ هذا ما سنعرفه بالأيام القادمة.
تعليقات
إرسال تعليق